عاشت اليونان تحت الحكم العثماني مدة تقارب أربعة قرون (من القرن الخامس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر)، وحينما ضعفت الدولة العثمانية طفقت اليونان تحرر أراضيها من النفوذ العثماني تدريجيا حتى وصلت إلى الشكل المعاصر لخارطة الدولة كما نراها اليوم. وبسبب ضعف الاقتصاد وتردي أحوال البنية التحتية اضطرت اليونان إلى السعي للحصول على قروض من الدول الأوروبية، وقد حصلت بالفعل على أول قرض من بريطانيا بعد الاستقلال عام 1823، بعدها حصلت على قروض أخرى خلال مراحل متتالية.
أعلنت اليونان عن عجزها عن الإيفاء بالتزامات الديون وأعلنت إفلاسها أربع مرات: في السنوات 1827، 1843، 1893، 1932، وتكاد تكون أسباب عجز اليونان عن الإيفاء بمستحقات ديونها في المرات السابقة هي نفس الأسباب التي أدت إلى عجز اليونان عن الإيفاء بمستحقات ديونها حاليا، والتي قد تقودها إلى الإعلان الرسمي عن الإفلاس للمرة الخامسة بعد استقلالها.
وعلى الرغم من تنويع اليونان لمصادر اقتراضها، إلا أن هذه الديون لم تحقق الأهداف المرجوة منها وذلك للأسباب التالية:
- الإنفاق العالي على التسليح.
- التسيب الإداري والفساد.
- تخلف النظام المصرفي.
- ضعف البنية التحتية.
- تخلف القوانين المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية.
- عجز الدولة عن جمع الضرائب.
- البيروقراطية والمحسوبية السياسية وعجز الدولة عن تطبيق القوانين لحسابات سياسية واجتماعية وخشيتها من النقابات.
- الالتزامات والأعباء المالية للديون اليونانية، والتي تعتبر من أقسى الديون شروطا وأعلاها فائدة، وذلك لأنها كانت تتم تحت ظروف اقتصادية وسياسية ضاغطة.
- فقدان اليونان لحصتها من السوق المحلية والأوروبية بعد دخولها الاتحاد الأوروبي وذلك لضعف القدرة التنافسية للصناعات اليونانية مقارنة بالصناعات الأوروبية.
- ضعف السياحة، وذلك بسبب عدم تحديث البنية السياحية مقابل نمو مراكز سياحية منافسة مثل بعض بلدان أوروبا الشرقية، تونس، مصر، وتركيا.
- ضعف النظام المعلوماتي، حتى إن الدولة لم تكن لديها إحصائيات لأعداد موظفي الدولة والمتقاعدين، حتى إن كثيرا منهم كانت تصرف رواتبهم حتى بعد مماتهم.
- عدم توافق النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل، حيث إنه أقرب إلى التعليم النظري منه إلى العملي.
- ازدياد أعداد المتقاعدين والذي يشكل عبئا على الاقتصاد، وهي من المشاكل التي تعاني منها المجتمعات الأوروبية الهرمة.
- عودة أعداد كبيرة من أبناء الجاليات اليونانية من دولة الاتحاد السوفياتي سابقا، وما ترتب على ذلك من أعباء اقتصادية إضافية على مؤسسات الدولة وصناديق التأمين.
- ضعف مستوى التنسيق بين مؤسسات الدولة ووزاراتها، فعلى سبيل المثال، تقوم المستشفيات والإدارات المحلية وصناديق التأمين بتحديد ميزانيتها بنفسها ودون رقابة أو إقرار حكومي مما أدى إلى هدر كبير للأموال.
نتيجة لما تقدم، استمرت اليونان في سياسية اللجوء إلى الاقتراض دون حساب لتداعيات ذلك، حتى إن أحد السياسيين الأوروبيين قال إن "اليونان مدمنة ديون".
كان الإنفاق يفوق بكثير مستوى الدخل، وكون أن هذه الحالة استمرت لسنوات طويلة، فقد كان ينظر إليها على أنها حالة طبيعية دون أن يكون لدى الساسة اليونانيين خطة عملية لمواجهتها والتعامل معها.
بقيت القضية الاقتصادية اليونانية قضية داخلية على مستوى التداعيات وسبل العلاج إلى أن أصبحت اليونان عضوا في المجموعة الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي وبعدها عضوا في الوحدة النقدية الأوروبية والتي وضع الاتحاد الأوروبي لها شروطا اقتصادية تلتزم بها الدول الراغبة في دخول منطقة اليورو.
كانت الشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي تتعلق بقضايا العجز والتضخم وغيرها من الأمور الاقتصادية، وبعدما دخلت اليونان منطقة اليورو في المرحلة الأولى اكتشف أن الأرقام والإحصائيات التي قدمتها لم تكن صحيحة.
الدين العام
خلال فترة حكومة رئيس الوزراء كوستاس كرامنليس، والتي امتدت لخمس سنوات بين 2004 – 2009 ارتفع الدين العام 70 مليار يورو إضافية، كما ارتفعت نسبة العجز والإنفاق العام، لذلك قدمت تلك الحكومة استقالتها تحت الضغط الاقتصادي والاجتماعي، وتحت ضغط فضائح الاختلاس المالية من قبل مسؤولين نافذين في الدولة، وجاءت بعدها حكومة يورغوس باباندريو الاشتراكية إلى السلطة ووجدت أنها غير قادرة على معرفة الحجم الحقيقي للدين العام.
لذلك بادرت الحكومة إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقق من حجم الدين، بالرغم من أن حجم هذا الدين الذي أعلن عنه آنذاك هو 300 مليار يورو إلا أن اللجنة اكتشفت أنه قد يصل إلى ترليون يورو، ويمكن أن نتبين حجم الأزمة حين نقارن حجم الدين العام بمجمل الدخل القومي لعام 2009 والبالغ 260 مليار يورو بحسب مصادر الميزانية العامة للدولة.
وبتفصيل الديون اليونانية فإنه يمكن تقسيمها كما يلي:
- 270 مليار يورو ديون القطاع العام.
- 30 مليار يورو ديون حكومية داخلية على شكل سندات لقطاع التأمين.
- 25 مليار يورو قروض معطاه بضمان القطاع العام 80% منها غير قابلة للسداد أو الاسترداد.
- 8 مليار يورو ديون لمؤسسات قامت بمشاريع وقدمت خدمات ومستلزمات مستشفيات للدولة.
- 1,7 مليار يورو على شكل سندات والتزامات واستحقاقات للإدارات المحلية كديون على الدولة.
- 1,3 مليار يورو مرتبات والتزامات مستحقه لموظفي شركة الأولمبيك للطيران .
- 1 مليار يورو ديون أخرى.
- 300 مليار يورو عجز لمؤسسات التأمين الاجتماعي عام 2005 - 2006.
- 280 مليار يورو ديون الشركات والأفراد للبنوك.
- 28 مليار يورو تم تقديمها للبنوك خلال الأزمة المالية العالمية على شكل ضمانات.
وبذلك فإن مجمل الدين العام هو 948 مليار يورو، وهذا يعني أنها تصل حد 400% من الدخل القومي، وبالرغم من أن تلك الأرقام تعود الى مصادر رسمية إلا أنني أعتقد أنها تقريبية وأن الديون تفوق تلك الأرقام التي ذكرت آنفا.
وكيفما يتم النظر إلى الدين فإنه كبير جدا إلى الحد الذي يؤدي إلى إعاقة التنمية، ويحول دون جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ويجعل اليونان أسيرا ومحتكما للقرارات الدولية الخارجية.
وفي هذا العام 2012، فإن الدين الخارجي فقط يصل إلى حوالي 500 مليار يورو، وتصل أعباؤه السنوية إلى حوالي 22 مليار يورو، وهذا يفوق قدرة اليونان الاقتصادية، ويحول دون استمرارها بالإيفاء باستحقاقات الدين العام.
المراقبة والإشراف الأوروبي
تلزم قوانين الاتحاد الأوروبي دول الاتحاد بتقديم معلومات إحصائية وتقارير اقتصادية تتعلق بأوضاعها وتجبرها على اتباع خطط تتعلق بالنظام الضريبي والاستثمار وغيرها من الأمور الاقتصادية بغرض تطبيق سياسة اقتصادية موحدة.
قامت الحكومات اليونانية وباستمرار بتقديم معلومات غير صحيحة الى الـ Eurostat تتعلق باقتصادها، وقد اكتشف ذلك خلال عملية التحقق من صحة المعلومات، ففي شهر أبريل/نيسان 2009 قدمت الحكومة اليونانية تقريرا إلى الـ Eurostat محتواه أن العجز خلال 2008 وصل إلى 5% من الدخل القومي، وقد اكتشف الـ Eurostat العديد من الأخطاء وطلب من الحكومة اليونانية إعادة تنقيح التقرير.
وقدم التقرير مرة أخرى في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2009 جاء فيه أن العجز سيصل في نهاية عام 2009 إلى 12,5 من الدخل القومي.
وقد أدى هذا الأمر مع عوامل أخرى سابقة مشابهة إلى حالة من عدم الثقة بما تقدمه اليونان من تقارير اقتصادية، لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يتهم اليونان بما يلي:
- تزوير الدخل الضريبي.
- هدر وسوء استغلال التمويل الأوروبي.
- تضخيم ميزانية الجيش.
- تقديم إحصائيات غير دقيقة فيما يتعلق بالخدمات.
- تقديم معلومات زائفة حول العجز الاقتصادي.
- تقديم معلومات غير صحيحة حول سعر الفائدة على السندات.
- الحصول على دعم أوروبي للقطاع الخاص تم تقديمه على أنه دخل حكومي.
نتيجة لما سبق، وبسبب استفحال الأزمة، فرض الاتحاد الأوروبي لجنة رقابة دائمة على اليونان تشبه لجان دول الانتداب.
الحل الأوروبي للأزمة اليونانية
اكتشفت اللجنة أن الاقتصاد اليوناني في حالة انهيار، حيث إنها تعيش "توأم العجز" (في التمويل العام والتوازن في عملية التبادل المالي الحالي)، و"توأم من الديون" (داخلي يخص القطاع العام وخارجي أجنبي)، ويتغذى وينمو الدين الأجنبي الخارجي من خلال العجز في توازن عمليات التبادل الحالية، والمنطق الاقتصادي يقول إن الدول التي لديها ثنائية أو توأم العجز والدين تواجه خطر طول مدة الأزمة وطول مدة انخفاض معدل النمو والذي يصل الآن إلى الصفر.
ويشار هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم قروضا سريعة سماها "حزمة الإنقاذ المالية"، ومقابل ذلك فرض على اليونان بأن تقوم بما يلي:
- إعفاء 150,000 شخص من موظفي القطاع العام من مناصبهم.
- خفض المرتبات عموما والمرتب الأساسي ومعاشات التقاعد.
- رفع سن التقاعد.
- رفع ضريبة الدخل والضريبة على السلع.
- تحسين أداء جهاز التحصيل الضريبي.
- دمج أو حل العديد من مؤسسات القطاع العام بغرض خفض الإنفاق.
- خفض الإنفاق على التسلح.
وقد نجحت الحكومة اليونانية في التنصل من/ أو في تخفيض بعض ديونها الداخلية، كما قامت بتخفيض قيمة السندات التي يملكها الأفراد، لكنها لم تنجح في جباية الضرائب ولم تتمكن من إعفاء موظفي الدولة من مناصبهم بسبب الخشية من ردود فعل الشارع اليوناني، وبشكل عام، فإنه لا يمكن تقييم تلك الإجراءات بأنها ناجحة، لكن يمكن القول بأنها لم تحقق الأهداف المطلوبة من خطة التقشف.
وبنظرة نقدية إلى خطة التقشف أو خطة الإنقاذ الأوروبي، فإنه يمكن القول إن تلك الخطة كانت عقوبة بأكثر منها خطة للخروج من الأزمة، ويمكن إيضاح وجهة النظر هذه في النقاط التالية:
- إن الاتحاد الأوروبي قدم قروضا بفائدة تصل إلى 5,5-6%، ومنع اليونان من اللجوء إلى دول مثل الصين وروسيا أو دول الخليج والتي كان يمكن أن تقدم قروضا بفائدة تتراوح بين 0,8-1%، لذلك فإن الأوروبيين نظروا إلى اليونان كفرصة استثمارية وليس كشريك.
- إن خطة التقشف أدت إلى انهيار العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهي عصب الاقتصاد اليوناني، إضافة الى إضعاف قدرة الدولة وفاعليتها.
- وصل عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من مليون شخص، وهو رقم مقلق، لأنه قد يقود إلى تداعيات اجتماعية خطيرة على المجتمع اليوناني.
- انخفاض نسبة النمو إلى صفر.
- تدني مستوى التنافسية للاقتصاد والسلع اليونانية مما حال دون قدوم استثمارات خارجية وتصدير للسلع اليونانية.
- خفض المرتبات أدى إلى خفض الاستهلاك ورفع مستوى الكساد إلى أقصى حدوده.
- أدى رفع الضريبة إلى زيادة عدد المتخلفين عن دفع الضرائب.
- أدت خطة التقشف إلى خروج العديد من الشركات الأجنبية واليونانية إلى دول أخرى كبلغاريا ورومانيا.
- قام العديد من حملة رؤوس الأموال إلى إخراج أرصدتهم خارج اليونان، فعلى سبيل المثال خرج إلى قبرص أكثر من 90 مليار يورو، وبلغت حسابات اليونانيين في سويسرا حوالي 600 مليار يورو مما أدى إلى نقص في السيولة النقدية وعجز في عمليات الإقراض والتمويل.
- أدى برنامج التقشف إلى هجرة الكفاءات اليونانية إلى الخارج، فقد هاجر إلى ألمانيا وخلال فترة وجيزة أكثر من 23 ألف شخص من الكفاءات، هذا عدا الذين غادروا إلى أستراليا ودول أوروبية أخرى.
- كذلك فإن التصريحات التي يدلي بها السياسيون الأوروبيون والتي فحواها أن اليونان لن تتجاوز أزمتها أدت إلى زيادة التوتر الداخلي ورفع مستوى الأزمة وخلق مناخ داخلي عدائي للخطة الأوروبية.
يمكن القول إن خطة إنقاذ اليونان أدت إلى تعميق الأزمة، وفي رأيي إن الاقتصاد اليوناني انهار، ولكن الانهيار لم يعلن عنه رسميا بعد، أو كما يقول الأوروبيون إنهم يقومون بإدارة انهيار تحت السيطرة لمنع تداعياته على أسواقهم، وفي الحقيقة إنهم -وخاصة ألمانيا- سعوا إلى كسب الوقت لتحصين أنظمتهم البنكية للحد من تأثير انهيار الاقتصاد اليوناني مستقبلاً، أي أنه تم تأجيل الإعلان عن الانهيار.
تداعيات انهيار الاقتصاد اليوناني
في حالة الإعلان الرسمي عن انهيار الاقتصاد اليوناني فإن ذلك سيقود إلى ما يلي:
- فقدان الثقة في السندات الإيطالية والإسبانية مما يؤدي إلى الامتناع عن شرائها، وهذا سيقود الدولتين إلى اللجوء إلى حزمة انقاذ أوروبية تفوق بكثير الحزمة التي قدمت إلى اليونان.
- خروج اليونان من منطقة اليورو، وبالتالي إلى أزمة ثقة بين الدول الأوروبية وإلى خروج المستثمرين إلى أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة واليابان.
- سيتحتم على الاتحاد الأوروبي السعي لتغطية أكثر من 160 مليار يورو من السندات، وستخسر ألمانيا وحدها من 60-80 مليار يورو، هذا إضافة إلى انخفاض قيمة الاستثمارات الأوروبية في اليونان.
- عمليات سحب جماعية لرؤوس الأموال من البنوك اليونانية مما سيؤدي إلى إفلاس بعض البنوك اليونانية، ولهذا تأثير على البنوك الأوروبية ذاتها والذي سيؤدي أيضا إلى انهيار البعض منها أو على الأقل إلى فوضى وأزمة في النظام البنكي الأوروبي والعالمي.
- وصول أحزاب متطرفة إلى السلطة بسبب الفوضى الناجمة عن الانهيار الاقتصادي، أو إلى انقلاب عسكري، ولهذا أيضا تداعيات خطيرة على الاقتصاد والأمن الأوروبي.
- سيؤدي إلى عجزها عن دفع ديونها، ومن ثم إلى شطب تلك الديون، وهذا سيقود إلى محدودية في قدرة البنوك الأوروبية على الإقراض، وهذا بدوره سيخفض الاستهلاك وسيقود إلى الكساد الاقتصادي في السوق الأوروبية.
تأثير الأزمة اليونانية على دول الخليج العربي
قامت العديد من دول الخليج بتبني سياسة سلة العملات، أي أن جزءا كبيرا من ودائعها وتبادلاتها التجارية تمت وتتم باليورو، ولذلك فإن انهيار اليونان والفوضى في الأسواق الأوروبية ستؤدي إلى انخفاض حاد لسعر اليورو وبالتالي فقدان جزء كبير من قيمة تلك الودائع.
كذلك قامت العديد من دول الخليج بالشروع في استثمارات في السوق اليونانية، وذلك بسبب جاذبية الأسعار خلال فترة الأزمة، وبذلك فإن انهيار اليونان سيؤدي إلى تأثير سلبي على قيمة تلك الاستثمارات وجدواها.
إن الأزمة أدت وستؤدي إلى انخفاض استهلاك البترول والغاز في الدول الأوروبية، مما سيؤدي بدوره إلى انخفاض حاد لدخل دول الخليج، إضافة إلى لجوء الدول الأوروبية إلى مصادر أخرى للطاقة بهدف خفض الاستهلاك.
لذلك، فإنه يتوجب على دول الخليج أن تقوم بالإجراءات اللازمة لحماية استثماراتها وودائعها أو حتى نقلها، فقد علمنا التاريخ -خاصة في التعامل مع الأوروبيين- أن لا حصانة في الأزمات وفي الحروب لرؤوس الأموال والممتلكات والأفراد.
كذلك فإنه يتوجب على الدول الخليجية إيجاد بدائل للدخل القادم من بيع البترول والغاز إلى أوروبا.
أما الفرصة التي قد تولد من الأزمة فهي أنه يمكن لدول الخليج أن تهيئ المناخ للصناعات التكنولوجية ورؤوس الأموال والطاقات العلمية التي ستبحث عن ملجأ لها خارج أوروبا لتأتي إلى دول الخليج التي تتمتع بنظام مصرفي عصري، وبنية تحتية حديثة، ومناخ مشجع وآمن لرأس المال والاستثمار.
الحلول المحتملة
أولا: خروج اليونان من منطقة اليورو والتنصل من كل الديون الخارجية، وهذا يعني أزمة في العلاقات الأوروبية الداخلية مما سيؤدي إلى حالة من الفوضى المالية والأمنية والتي ستمتد لفترة طويلة، وسيرفع نسبة البطالة والجريمة، وستفقد الممتلكات والاستثمارات أكثر من 50% من قيمتها.
هذا إضافة إلى نقص حاد في المواد الاستهلاكية والدواء، كذلك فإن اليونان ستعيش أزمة في التبادل التجاري الداخلي والخارجي إلى حين العودة إلى العملة القديمة، وإلى أن يتم تعميمها وتوفيرها واستقرارها، وسيتراوح سعر اليورو الواحد بين 1000-1500 دراخما في الوقت الذي تم صرفه حين دخلت اليونان منطقة اليورو ب 340 دراخما، وحسب الإحصائيات فإن هذا السيناريو لا يحبذه 80% من اليونانيين.
ثانيا: البقاء في منطقة اليورو مع بذل مزيد من الجهد لحل الأزمة، وقبل الحديث عن هذا الخيار فإنه من المهم التأكيد على ما يلي:
- إن الاقتصاديات الأوروبية اقتصاديات غير متجانسة من حيث مستوى تطور الأداء، ومن حيث مستوى الإنتاجية، كما أنها ليست اقتصادا موحدا، بل هي اقتصاديات متنافسة فيما بينها.
- لا توجد هوية أوروبية، بل هناك هويات متعددة، وبالتالي فإن التعاطي مع المشاكل هو شأن خاص لكل دولة، تقوم بالتعاطي معها بالطريقة التي ترتئيها، وفي كثير من الأحيان يكون الحل لصالح دولة على حساب دولة أخرى. وبهذا يمكن القول إنه ليس هناك سلوك اتحادي كما هو في الولايات المتحدة الأميركية، ولا يزال الأوروبيون في مرحلة المجموعة الأوروبية رغم تبنيهم لتسمية الاتحاد الأوروبي.
لذلك فإنه إن أرادت الدول الأوروبية أن تحافظ على المشروع الأوروبي وأن تحافظ على مصالحها وأيضا لأسباب أخلاقية فإنه يتوجب عليها أن تلجأ إلى الحل التالي:
- إعفاء اليونان من الجزء الأكبر من الديون، فهي في الأساس فوائد ديون، ونقصد هنا بالديون تلك التي حصلت عليها اليونان من الدول الأوروبية نفسها وليس فقط من ديون القطاع الخاص ليصل الدين إلى الحد الذي يمكن الاقتصاد اليوناني من الإيفاء بالتزاماته.
- خفض نسبة الفائدة إلى 1%.
- السماح لليونان بالبحث عن ديون خارج أوروبا وبأسعار وبشروط أفضل.
- المساعدة في تحديث الاقتصاد اليوناني.
- تسويق وتهيئة السوق اليونانية للاستثمار من خلال خفض الضرائب.
- مساعدة اليونان في استخراج النفط والغاز والذي تشير الدراسات إلى وجوده في البحر والبر باليونان.
وفي الختام يمكن القول إنه ما لم تحل الأزمة المالية اليونانية فإن هذه الأزمة ستكون مثل قطع الدومينو، ستجر وراءها أزمات أخرى أشد خطرا وأبعد أثرا، كما قد يحدث مثلا في إيطاليا وإسبانيا وغيرهما، وهو ما يعني بصورة أو بأخرى انتهاء حلم الاتحاد الأوروبي.